سورة الرعد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله تعالى: {له دعوة الحق} فيه قولان:
أحدهما: أنها كلمة التوحيد، وهي لا إِله إِلا الله، قاله عليّ، وابن عباس، والجمهور، فالمعنى: له من خَلقه الدعوة الحق، فأضيفت الدعوة إِلى الحق، لاختلاف اللفظين.
والثاني: أن الله عز وجل هو الحق، فمن دعاه دعا الحق، قاله الحسن.
قوله تعالى: {والذين يدعون من دونه} يعني: الأصنام يدعونها آلهة. قال أبو عبيدة: المعنى: والذين يدعون غيره من دونه.
قوله تعالى: {لا يستجيبون لهم} أي: لا يجيبونهم.
قوله تعالى: {إِلا كباسط كفَّيه إِلى الماء} فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه العطشان يمدُّ يده إِلى البئر ليرتفع الماء إِليه وما هو ببالغه، قاله عليّ عليه السلام، وعطاء.
والثاني: أنه الرجل العطشان قد وضع كفَّيه في الماء وهو لا يرفعهما، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: أنه العطشان يرى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: أنه الرجل يدعو الماءَ بلسانه ويشير إِليه بيده فلا يأتيه أبداً، قاله مجاهد.
والخامس: أنه الباسط كفَّيه ليقبض على الماء حتى يؤدِّيَه إِلى فيه، لا يتم له ذلك، والعرب: تقول من طلب مالا يجد فهو القابض على الماء، وأنشدوا:
وإِنِّي وإِيَّاكم وشَوْقاً إِليكُمُ *** كقابضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أنامِلُهْ
أي: لم تحمله، والوَسْق: الحِمْلُ، وقال آخر:
فأصبحتُ مما كان بَيْني وبَيْنَها *** مِنَ الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ الماءَ باليَدِ
هذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة.
قوله تعالى: {وما دعاء الكافرين إِلا في ضلال} فيه قولان:
أحدهما: وما دعاء الكافرين ربَّهم إِلا في ضلال، لأن أصواتهم محجوبة عن الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: وما عبادة الكافرين الأصنامَ إِلا في خسران وباطل، قاله مقاتل.


قوله تعالى: {ولله يسجد من في السموات} أي: من الملائكة، ومَن في الأرض من المؤمنين {طوعاً وكرهاً}.
وفي معنى سجود الساجدين كَرها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سجود مَنْ دخل في الإِسلام بالسيف، قاله ابن زيد.
والثاني أنه سجود ظِلِّ الكافر، قاله مقاتل.
والثالث: أن سجود الكاره تذلُّله وانقياده لما يريده الله منه من عافية ومرض وغنى وفقر.
قوله تعالى: {وظلالهم} أي: وتسجد ظلال الساجدين طوعاً وكَرهاً، وسجودُها: تمايلها من جانب إِلى جانب، وانقيادها للتسخير بالطُّول والقِصَر. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: الظِّل ما كان بالغَدَوات قبل انبساط الشمس، والفيءُ ما كان بعد انصراف الشمس، وإِنما سُمِّي فيئاً، لأنه فاء، أي: رجع إِلى الحال التي كان عليها قبل ان تنبسط الشمس، وما كان سوى ذلك فهو ظِلٌّ، نحو ظِلِّ الإِنسان، وظل الجدار، وظل الثوب، وظل الشجرة، قال حُمَيد بن ثور:
فلا الظِّلُّ من بَرْد الضُّحى تَسْتَطِيعُهُ *** ولا الفَيءُ مِن بَرْدِ العَشِيِّ تَذوق
وقال لبيد:
بينما الظِّلُّ ظَلِيلٌ مُوْنِقٌ *** طَلَعَتْ شَمْسٌ عَلَيْه فاضْمَحَلّ
وقال آخر:
أيا أَثلاَتِ القَاعِ مِنْ بَطْنِ تُوضِحٍ *** حَنِيْنِي إِلى أَظْلالِكُنَّ طَوِيلُ
وقيل: إِن الكافر يسجد لغير الله، وظلُّه يسجد لله. وقد شرحنا معنى الغُدُوِّ والآصال في [الأعراف: 7].


قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله} إِنما جاء السؤال والجواب من جهة، لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء، فلما لم ينكروا، كان كأنهم أجابوا. ثم ألزمهم الحُجة بقوله: {قل أفاتخذتم من دونه أولياء} يعني: الأصنام توليتموهم فعبدتموهم وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فكيف لغيرهم؟! ثم ضرب مثلاً للذي يعبد الأصنام والذي يعبد الله بقوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} يعني المشرك والمؤمن {أم هل تستوي الظلمات والنور} وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {تستوي} بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {يستوي} بالياء. قال أبو علي: التأنيث حسنٌ، لأنه فعلُ مؤنثٍ، والتذكير سائغ، لأنه تأنيث غير حقيقي. ويعني بالظلمات والنور: الشركَ والإِيمان. {أم جعلوا لله شركاء} قال ابن الأنباري: معناه: أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه خلق الله بخلق هؤلاء؟ وهذا استفهام إِنكار، والمعنى: ليس الأمر على هذا، بل إِذا فكَّروا علموا أن الله هو المنفرد بالخلق، وغيره لا يخلق شيئاً.
قوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء} قال الزجاج: قُل ذلك وبيِّنه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء، وقد ذكرنا في [يوسف: 39] معنى الواحد القهار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8